مقاصد الشريعة عند الإمام مالك
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الفكر المقاصدي عند الإمام مالك
إن أخص ما امتاز به فقه مالك هو رعاية المصلحة واعتبارها، لهذا فهي عمدة فقه الرأي عنده اتخذها أصلا للإستنباط مستقلا..
إن الإمام مالكا عندما يطلق الرأي يعني به فقهه الذي يكون بعضه رأيا اختاره من مجموع آراء التابعين، وبعضه رأيا قد قاسه على ما علم، ومن ثم فإن باب أصول فقه الرأي عنده هو ما عليه أهل المدينة وعلم الصحابة والتابعون. ويمكن تلخيص ذلك في قاعدة جلب المصالح ودرء المفاسد التي عليها مدار مقاصد الشريعة الإسلامية. فهذا هو أساس الرأي عنده مهما تعددت ضروبه واختلفت أسماؤه، أو كما قال أبو زهرة "فالرأي سواء كان بالقياس أو كان بغيره من الاستحسان أو المصالح المرسلة أو سد الذرائع قوامه جلب المصالح ودرء المفاسد."
ومراعاة المصلحة في المذهب المالكي ليس مجرد الأخذ بالمصلحة المرسلة حيث لانص ولا قياس بل هو استحضار المصلحة عند فهم النص وعند إجراء القياس، فضلا عن حالات إعمال المصلحة المرسلة (1) .
ومن هنا يجب أن يكون الإجتهاد الفقهي قائما على أساس الاستصلاح، وأن يكون فهم النصوص والاستنباط منها قائما على أساس أن مقاصدها جلب المصالح ودرء المفاسد(2) . وقد قرر الإمام الشاطبي هذه الحقيقة بقوله: "وقد استرسل مالك فيه استرسال المدل العريق في فهم المعاني المصلحية مع مراعاة مقصود الشارع، أن لا يخرج عنه ولا يناقض أصلا من أصوله" (3) .
وقبل الشاطبي نجد "القاضي عياض" يسجل أن أحد الاعتبارات المرجحة لمذهب مالك هو النظر المصلحي القائم على مقاصد الشريعة وقواعدها، فيقول: "الاعتبار الثالث يحتاج إلى تأمل شديد، وقلب سليم من التعصب سديد، وهو الالتفات إلى قواعد الشريعة ومجامعها، وفهم الحكمة المقصودة بها من شارعها (4).
كما أن الإستحسان عند مالك ليس إلا الإلتفات إلى المصلحة والعدل(5) ..
ولو تتبعنا كتب المالكية وخصوصا القدماء منهم لوجدنا أثر المصالح والمقاصد واضحا في تعليلاتهم في الفروع، وأنهم يبنون عليها أحكامهم وفتاواهم ويجعلون تلك المقاصد أصولا بنفسها ويقيسون عليها وهو عندهم أظهر منه عند غيرهم.
ولرعاية المقاصد الشرعية والمصالح المشروعة، حكم مالك -كما قلنا- قاعدة سد الذرائع في أكثر أبواب الفقه، وهذا المعنى هو ما أكده الأستاذ "محمد هشام البرهاني" حيث قال: "سد الذرائع من أصول الإستنباط الفقهي المهمة عند المالكية، وليس في المذاهب الفقهية الأربعة المنتشرة، ولا في غيرها من بلغ في أخذه بهذا الأصل مبلغ المذهب المالكي، وبهذا كان العمل بالمصلحة المرسلة أصلا مستقلا من أصول التشريع عنده، وليس سد الذرائع إلا تطبيقا عمليا من تطبيقات العمل بالمصلحة، ولذلك عدوه ضمن أصولهم وأعملوه في استنباطاتهم وتخريجاتهم في جميع أبواب الفقه، وفي كثير من المسائل العلمية وبالغوا في ذلك حتى عد بعض الفقهاء سد الذرائع من خصوصيات مذهب إمام دار الهجرة"(6).
وعلى هذا النحو سار الإمام مالك في النظر في المقاصد الشرعية حتى عد مذهبه من أكثر المذاهب مراعاة للمصالح والمقاصد.
الهوامش:
(1)- نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي – للأستاذ أحمد الريسوني ص: 64. الدار العالمية للكتاب الإسلامي، الطبعة الرابعة: 1995م.
(2) - المصدر نفسه.
(3) - الاعتصام،لأبي إسحاق الشاطبي، ج2/132-133، ضبطه وصححه أحمد محمد الشافي. دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية: 1411هـ/1981م.
(4) - ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك للقاضي عياض، ج1 ص: 92. طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المغرب.
(5) - بداية المجتهد ونهاية المقتصد، لأبي الوليد بن رشد، ج2 / 185. دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة العاشرة: 1408هـ/1988م.
(6) - سد الذرائع في الشريعة الإسلامية - محمد هشام البرهاني - ص: 615.مطبعة الريحاني . الطبعة الأولى /1406هـ-1986م
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الفكر المقاصدي عند الإمام مالك
إن أخص ما امتاز به فقه مالك هو رعاية المصلحة واعتبارها، لهذا فهي عمدة فقه الرأي عنده اتخذها أصلا للإستنباط مستقلا..
إن الإمام مالكا عندما يطلق الرأي يعني به فقهه الذي يكون بعضه رأيا اختاره من مجموع آراء التابعين، وبعضه رأيا قد قاسه على ما علم، ومن ثم فإن باب أصول فقه الرأي عنده هو ما عليه أهل المدينة وعلم الصحابة والتابعون. ويمكن تلخيص ذلك في قاعدة جلب المصالح ودرء المفاسد التي عليها مدار مقاصد الشريعة الإسلامية. فهذا هو أساس الرأي عنده مهما تعددت ضروبه واختلفت أسماؤه، أو كما قال أبو زهرة "فالرأي سواء كان بالقياس أو كان بغيره من الاستحسان أو المصالح المرسلة أو سد الذرائع قوامه جلب المصالح ودرء المفاسد."
ومراعاة المصلحة في المذهب المالكي ليس مجرد الأخذ بالمصلحة المرسلة حيث لانص ولا قياس بل هو استحضار المصلحة عند فهم النص وعند إجراء القياس، فضلا عن حالات إعمال المصلحة المرسلة (1) .
ومن هنا يجب أن يكون الإجتهاد الفقهي قائما على أساس الاستصلاح، وأن يكون فهم النصوص والاستنباط منها قائما على أساس أن مقاصدها جلب المصالح ودرء المفاسد(2) . وقد قرر الإمام الشاطبي هذه الحقيقة بقوله: "وقد استرسل مالك فيه استرسال المدل العريق في فهم المعاني المصلحية مع مراعاة مقصود الشارع، أن لا يخرج عنه ولا يناقض أصلا من أصوله" (3) .
وقبل الشاطبي نجد "القاضي عياض" يسجل أن أحد الاعتبارات المرجحة لمذهب مالك هو النظر المصلحي القائم على مقاصد الشريعة وقواعدها، فيقول: "الاعتبار الثالث يحتاج إلى تأمل شديد، وقلب سليم من التعصب سديد، وهو الالتفات إلى قواعد الشريعة ومجامعها، وفهم الحكمة المقصودة بها من شارعها (4).
كما أن الإستحسان عند مالك ليس إلا الإلتفات إلى المصلحة والعدل(5) ..
ولو تتبعنا كتب المالكية وخصوصا القدماء منهم لوجدنا أثر المصالح والمقاصد واضحا في تعليلاتهم في الفروع، وأنهم يبنون عليها أحكامهم وفتاواهم ويجعلون تلك المقاصد أصولا بنفسها ويقيسون عليها وهو عندهم أظهر منه عند غيرهم.
ولرعاية المقاصد الشرعية والمصالح المشروعة، حكم مالك -كما قلنا- قاعدة سد الذرائع في أكثر أبواب الفقه، وهذا المعنى هو ما أكده الأستاذ "محمد هشام البرهاني" حيث قال: "سد الذرائع من أصول الإستنباط الفقهي المهمة عند المالكية، وليس في المذاهب الفقهية الأربعة المنتشرة، ولا في غيرها من بلغ في أخذه بهذا الأصل مبلغ المذهب المالكي، وبهذا كان العمل بالمصلحة المرسلة أصلا مستقلا من أصول التشريع عنده، وليس سد الذرائع إلا تطبيقا عمليا من تطبيقات العمل بالمصلحة، ولذلك عدوه ضمن أصولهم وأعملوه في استنباطاتهم وتخريجاتهم في جميع أبواب الفقه، وفي كثير من المسائل العلمية وبالغوا في ذلك حتى عد بعض الفقهاء سد الذرائع من خصوصيات مذهب إمام دار الهجرة"(6).
وعلى هذا النحو سار الإمام مالك في النظر في المقاصد الشرعية حتى عد مذهبه من أكثر المذاهب مراعاة للمصالح والمقاصد.
الهوامش:
(1)- نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي – للأستاذ أحمد الريسوني ص: 64. الدار العالمية للكتاب الإسلامي، الطبعة الرابعة: 1995م.
(2) - المصدر نفسه.
(3) - الاعتصام،لأبي إسحاق الشاطبي، ج2/132-133، ضبطه وصححه أحمد محمد الشافي. دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثانية: 1411هـ/1981م.
(4) - ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك للقاضي عياض، ج1 ص: 92. طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المغرب.
(5) - بداية المجتهد ونهاية المقتصد، لأبي الوليد بن رشد، ج2 / 185. دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة العاشرة: 1408هـ/1988م.
(6) - سد الذرائع في الشريعة الإسلامية - محمد هشام البرهاني - ص: 615.مطبعة الريحاني . الطبعة الأولى /1406هـ-1986م
الأربعاء نوفمبر 01, 2023 9:56 am من طرف نور الهدى
» بطاقة فنية عن مسجد الكوثر بحي مليانة اينغر ولاية عين صالح
الأربعاء نوفمبر 01, 2023 9:08 am من طرف نور الهدى
» نبذة عن الطالب قدور بحمو حي مليانة اينغر ولاية عين صالح
الأربعاء مايو 12, 2021 9:36 pm من طرف الاستاذ احمد
» لمحة تاريخية موجزة حول الحاج محمد عبد القادر ولد الشيخ الراكب في إينغر
الأربعاء مايو 12, 2021 9:23 pm من طرف الاستاذ احمد
» قناة الرابعة المغربية تعرض دروس خصوصية الرياضيات الفيزياء العلوم الطبيعية -فرصة للنجاح -
الجمعة يوليو 17, 2015 9:30 pm من طرف الاستاذ احمد
» ملخصات الوحدات االخمسة لاولى فيزياء للاستاذ جزار
الجمعة مايو 29, 2015 12:47 am من طرف الاستاذ احمد
» الفرض الاول للفصل الثاني مع التصحيح النموذجي فيزياء نهائي علمي
الأربعاء فبراير 18, 2015 8:51 am من طرف الاستاذ احمد
» تصحيح تمارين بكالوريا 2014 فيزياء علوم تجريبية
الأربعاء فبراير 18, 2015 8:28 am من طرف الاستاذ احمد
» سلسلة تمارين في الوحدة الرابعة مع التصحيح في الفيزياء للنهائي
السبت فبراير 14, 2015 10:37 am من طرف الاستاذ احمد
» مركز تحميل لتحميل الصور والملفات
السبت فبراير 14, 2015 4:34 am من طرف الاستاذ احمد
» سلسلة تمارين في وحدة تطور جملة كيميائية نحو حالة التوازن تم تعديل التصحيح بتصحيح الواجب المنزلي
الإثنين فبراير 09, 2015 7:21 am من طرف الاستاذ احمد
» اجمل النكت والطرائف الجزائرية بالفصحة والدارجة
الثلاثاء يناير 28, 2014 11:20 pm من طرف mohamed
» هذه بعض المشاكل التي تواجه الحاسب
الجمعة ديسمبر 27, 2013 6:40 am من طرف الاستاذ احمد
» سوف نتكلم عن أنواع الذاكرة ولماذا سميت بهذا الاسم ومم تتكون
الجمعة ديسمبر 27, 2013 6:36 am من طرف الاستاذ احمد
» تعليمات خاصة لتقسيم القرص الصلب باستخدام fdisk
الجمعة ديسمبر 27, 2013 6:34 am من طرف الاستاذ احمد